الحيض والنفاس
من مبطلات الصيام الحيضُ والنفاس للنساء، فإذا رأت المرأة دم الحيض أو دم النفاس في نهار رمضان في أول اليوم أو في آخره حتى ولو قبل أذان المغرب بلحظات بطل صومها وفسد، ووجب عليها أن تفطر، ويجب عليها بعد ذلك القضاء بعد الطهر، والدليل على ذلك ما رواه الإمام مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أنها سئلت: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟! فقالت عائشة : (كان يصيبنا ذلك، فكنا نؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة). فالحائض والنفساء إذا رأت دم الحيض أو دم النفاس -حتى ولو قبل الغروب بلحظات- وجب عليها أن تترك الصيام، وأن تفطر، وتقضي الأيام بعد الطهر، ولا حرج عليها ولا إثم؛ لأن حيضتها ليست بيدها كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام. هذه هي أشهر مبطلات الصوم، والله تعالى أعلم.
الأكل والشرب عمداً
الأكل والشرب عمداً، فمن أكل أو شرب متعمداً في نهار رمضان بطل صومه، وعليه الإثم، ووجب عليه القضاء دون الكفارة، أما من أكل أو شرب ناسياً فليتم صومه، وصيامه صحيح، لما ورد في الصحيحين من حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه).
القيء عمداً القيء عمداً، وهو أن يضع الإنسان أصبعه في فمه ليخرج ما في بطنه، فإن تقيء الصائم عمداً بطل صومه، ووجب عليه القضاء، أما إن ذرعه القيء -أي: غلبه القيء- بغير رغبة منه ولا اختيار فليتم صومه، وصيامه صحيح، لما رواه أبو داود والترمذي وصحح الحديث الحاكم في المستدرك، وصححه أيضاً شيخ الإسلام ابن تيمية في حقيقة الصيام، وهو أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من استقاء عامداً فليقض، ومن ذرعه القيء -أي: ومن غلبه القيء- فلا قضاء عليه).
إنزال المني بشهوة
إنزال المني بشهوة، أي: بغير جماع، فمن أنزل منيه بشهوة بدون جماع، عن طريق التقبيل أو المباشرة أو الملامسة أو الاستمناء باليد فهو آثم، وعليه القضاء دون الكفارة. وبالمناسبة أود أن أقول: إن بعض الناس ربما يتحرجون من ذكر هذه الأحكام، وأنا أقول: عجباً! هل هناك على ظهر الأرض من هو أشد حياءً من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ كلا، لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أشد حياءً من العذراء في خدرها، وهو المبين لنا هذه الأحكام، والموضح لنا هذه الأحكام، فواجب على كل مسلم ومسلمة أن يتعلم أحكام دينه ليعبد الله جل وعلا عبادة صحيحة راشدة، قالت عائشة رضي الله عنها: (رحم الله نساء الأنصار، لم يمنعهن حياؤهن من أن يتفقهن في الدين). أقول: إذا أنزل الرجل منيه بشهوة من غير جماع بطل صومه، ووجب عليه القضاء دون الكفارة، إذ لم تثبت الكفارة إلا في الجماع، ومن قال بغير ذلك فلا دليل معه، والله تعالى أعلم. ودعوني أشير إلى بعض النقاط السريعة المتعلقة بهذا المبطل الثاني، وهو إنزال المني بشهوة، فكثيراً ما أسأل من الشباب، إذا نام الشاب في نهار رمضان واحتلم فما حكم صومه؟ أقول: إن صيامه صحيح، فليغتسل وليتم صومه ولا شيء عليه؛ لأن الاحتلام بغير إرادة منه ولا اختيار. أيضاً: ما حكم من جامع زوجته في الليل ولم يغتسل حتى أذن الفجر؟ أقول: إن صيامه صحيح، فليغتسل وليقم ليصلي صلاة الفجر، ولو أذن عليه الفجر وهو جنب من أهله فلا إثم عليه ولا حرج، لما رواه البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي عليه الصلاة والسلام يدركه الفجر وهو جنب من جماع أهله، ثم يغتسل ويصوم). ونقطة ثالثة: ما حكم من قبل زوجته أو باشرها ولم ينزل؟ نقول: إن صيامه صحيح، ولكن يخشى عليه أن يقع فيما وراء ذلك، فإن قبل الرجل أهله أو باشر زوجته بدون إنزال فصيامه صحيح؛ لما ورد في الصحيحين من حديث عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (كان يقبل ويباشر وهو صائم، إلا أنه كان أملككم لإربه).
الجماع في نهار رمضان
الجماع، فإن جامع الصائم زوجته في نهار رمضان بطل صومه، ووجب عليه القضاء والكفارة المغلظة، وهي: عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، وإن أفطر يوماً بين الشهرين وجب عليه أن يواصل وأن يستأنف الصيام من جديد مرة أخرى لتحصل له المتابعة، أما إن مر عليه في وسط الشهرين عذر شرعي، أو عذر حسي فلا حرج عليه أن يفطر، ثم يواصل الصيام، ولا يستأنف الصيام من جديد. فإن مر عليه عذر شرعي كأيام العيدين -مثلاً- فحينئذ يجوز له أن يفطر وأن يواصل الصيام مرة أخرى، ولا يستأنف الصيام من جديد، وإن مر عليه عذر حسي كالمرض جاز له أن يفطر ثم يواصل الصيام مرة أخرى، ولا يستأنف الصيام من جديد. واختلف العلماء في حكم الكفارة هل هي على الترتيب أم على التخيير؟ والراجح أن الكفارة على الترتيب، وهذا قول جمهور أهل العلم، واستدلوا على ذلك بما رواه الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله هلكت! -وفي لفظ عن عائشة في الصحيح: قال: يارسول الله احترقت!- فقال النبي عليه الصلاة والسلام: مالك؟ قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم! فقال النبي عليه الصلاة والسلام: فهل تجد رقبة تعتقها؟ قال: لا. قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا. قال: فهل تجد إطعام ستين مسكيناً؟ قال: لا. يقول أبو هريرة : فمكث النبي صلى الله عليه وسلم، وبينما نحن كذلك إذ أتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق -أي: بمكتل فيه تمر- فقال النبي عليه الصلاة والسلام: أين السائل؟ -وفي لفظ عائشة : أين المحترق آنفاً؟ فقال: أنا يا رسول الله! فقال النبي عليه الصلاة والسلام: خذ هذا التمر وتصدق به. فقال الرجل: على أفقر مني يا رسول الله؟! فوالله ما بين لابتيها -أي: المدينة- أهل بيت أفقر من أهل بيتي، فضحك النبي عليه الصلاة والسلام حتى بدت نواجذه، وفي لفظ البخاري : حتى بدت أنيابه، ثم قال عليه الصلاة والسلام: خذ هذا فأطعمه أهلك). والدليل من هذا الحديث: الترتيب في الكفارة، فجمهور الفقهاء يقولون: إن الكفارة على الترتيب لا على التخيير. واختلف العلماء في حكم المرأة التي أكرهها زوجها على الجماع في نهار رمضان، والراجح -بدون تفريعات أقوال أهل العلم- أن المرأة التي يكرهها زوجها على الجماع في نهار رمضان يجب عليها القضاء فقط دون الكفارة؛ إذ لم يثبت دليل صحيح يلزمها بالكفارة في حالة الإكراه.